الفكر
و اللغة: أكتب مقالة فلسفية في هذا الموضوع
المقدمة: إذا كان
الفكر هو عمل العقل الذي يحدث داخل النفس، وإذا كانت اللغة أصواتا و رموزا وخارجية
يتلفظ بها الإنسان، ليتصل بغيره من الناس، هل هذا يعني أن الفكر و اللغة شيئان
مختلفان ؟ وهل هذا الاختلاف يفصل بينهما أم لا ؟ إذا كان لا يفصل ما هي العلاقة الموجودة
بين الفكر و اللغة ؟
التحليل: الإنسان هو
الكائن الوحيد الذي يفكر و يتكلم، لقد وهبه الله القدرة على تكوين المعاني و الأفكار،
واستعمال الألفاظ و الرموز، ليتصل بغيره من الناس، فالفكر و اللغة يمثلان جوهره
باعتباره حيوانا عاقلا و ناطقا. مشكلة علاقة الفكر باللغة و الصلة الموجودة بينهما
شدة انتباه الإنسان منذ القدم، فالفكر و اللغة، اللذان يمثلان مظهرين مختلفين
للذكاء الإنساني، يعتبرهما الكثير من العلماء و الفلاسفة ملكتين منفصلتين، و
دليلهم أن الفكر يمثل العالم الداخلي للإنسان، بينما تأخذ اللغة طابعا خارجيا، وان
الفكر معان تحشد في الذهن الذي يكونها، و هو بذلك مستقل عن الجسم، بينما اللغة
التي هي رموز يتوقف وجودها على الجسم، فالحنجرة و اللسان و الحبال الصوتية، وحركات
العينين و اليدين، وتغيرات الوجه كلها، تساعد الإنسان على الاتصال بغيره من الناس.
كذلك
لا يستقل الآخرون ما يصدر منها من ألفاظ أو رموز أو حركات، إلا إذا قامت أعضاء
الحس بدورها كما ينبغي، فالأعمى مثلا لا يرى الحركات و الأصم لا يسجل الأصوات، مما
يجعل اللغة عندهم عاجزة عن القيام بوظيفة كاملة. ميز برغسون بين اللغة و الفكر،
وحجته أن الفكر معان متصلة تتدفق باستمرار، ما دام الإنسان في حالة وعي، بينما
تكون الألفاظ منفصلة بعضها ببعض.
وإذا
كان الإنسان يجد صعوبة عند التعبير عن أفكاره، فهذا يدل على ان عالم الفكر أوسع
بكثير من عالم اللغة، الذي تمثله الألفاظ و إشارات محدودة، لا تعبر عن كل ما في
ذهن الإنسان من طاقة فكرية. يقول: " نحن نفشل عن التعبير بصفة كاملة عما تشعر
به روحنا، لذلك الفكر يبقى أوسع من اللغة " هذا الموقف الذي يفصل بين الفكر و
اللغة ليس خاصا ببرغسون، فأفلاطين من مصر القديمة، كان يرى نفس الرأي، فالفكر
الداخلي الصامت عنده يقابل اللغة التى هي أصوات خارجية، كذلك دونيز ديدرو، في
القرن الثامن عشر، يقول بانفصالهما، و إن كان اقل يقينا من برغسون حيث يقول:"
أعتقد أننا نملك أفكارا أكثر مما نملك أصواتا ".
في
هذا الاستعراض لبعض المواقف التى تبناها فلاسفتنا عبر العصور، تبين لنا الى أي مدى
ميز الإنسان بين اللغة و الفكر كمظهرين يعبران عنه، بوصفه كائنا عاقلا ذكيا. إن
الإنسان يفكر ثم يتكلم، و تكون اللغة بهذه الوسيلة يستعملها الفكر ليخرج بها أفكاره
الى العالم الخارجي، و يوصلها الى الغير.
غير
أن هذا التحليل للعلاقة بين اللغة و الفكر تبدوا ظاهرية جدا، لأن الحقيقة غير ذلك تماما.
ففي الواقع إننا لا نستطيع أن نفصل عمليا بين الفكر و اللغة، و لا يوجد فاصل زمني
بين عملية التفكير، وعملية التعبير، والتفكير الخالص بدون لغة كالشعور الفارغ لا
وجود له. فكل فكرة تتكون في قالب رموز تحتويها، و تعطي لنا وجودها و يقول سيروس
" الفكر لا ينفصل عن اللغة "، ويقول لافال "ليس اللغة كما يعتقد
البعض ثوب الفكر، ولكن جسمها الحقيقي " كذلك اثبت علم نفس الطفل، أن الطفل
يجهل العالم الذي يحيط به، الى أن يبدأ يتعلم الألفاظ و الجمل فتتكون لديه
الأفكار. لا يوجد تصور في الذهن بدون لفظ يكونه، إن الرمز وسيلة للتفكير، وليس
غطاءا لفكرة مكونة، كما يعتقد أصحاب المذهب الثنائي الذي يفصل بين اللغو و الفكر.
يقول دولاكروا:" أن الرمز قلب التصور" و يكون التفكير بذلك ليس سوى حوار
يتم بين الإنسان و نفسه، يستعمل فيه نفس الكلمات و الجمل التى يستعملها حين يتحاور
مع غيره من الناس، والحوار جوهر اللغة، يقول أفلاطون" إن الصورة التى أكونها
في نفسي عن الروح التى تفكر، ليست سوى صورة الروح، و هي تسال نفسها و تجيب."
و يكون الفكر عنده لغة صامتة .
هذا
من جهة ومن جهة أخرى ليس هناك لغة بدون تفكير يعطي للألفاظ معانيها و دلالاتها.
ليست اللغة مجرد ألفاظ، وإذا كانت الكلمات التى ينطبق بها الببغاء لغة، وإنما
اللغة ألفاظ و رموز تعبر عن أفكار الإنسان و تصوراته.
إن
الرمز لا يكون رمزا إلا بمقدار ما يحمله من الوعي الذي يعطي له معناه. فاللغة هي
جسم الرمز و المعنى هو روحه. و لا يمكن الفصل بين الجسم و روحه، و كما يقول ميرلو بونتي:"
الفكر يحتوي اللغة، و اللغة تحتوي الفكر." و يقول هيجل :"إننا نفكر داخل
الكلمات." إذا كان هذا الموقف الأحادي الذي يمثله أغلب الفلاسفة و المفكرين
في العصر الحديث، هو الأكثر انتشار، فإنه يدل على قربه من الواقع و الصدق.
لتحميل المقالة بصيغة word