مقدمــة
يوما بعد يوم يتأكد لكل ذي بصر وبصيرة في عالمنا العربي أن التردي العلمي مدعاة قوية للتردي في شتى المجالات الأخرى. وأن الحالة المزرية لعلم الفيزياء في الجامعات والمعاهد والمدارس العربية هي نذير سوء بأن المرحلة القادمة من تاريخ أمتنا لن تكون أفضل حالا مما سبق أو مما هو قائم الآن.ولعل النفور من تعلم وتعليم الفيزياء آخذ في المد والازدياد ليطال أولياء أمور الطلبة ويصل إلى بعض فئات معلمي الفيزياء ممن يعتبرون الموضوع مهنة يقصد منها الكسب المادي لا أكثر. فإذا كانت هذه قناعة من يقدم الفيزياء للطالب فما هو الناتج المتوقع من هذا الطالب الذي يرى حوله عالما يضج بالمبدعين في فنون الإلهاء والإغراء بكل شيء ما عدا العلم والعلوم.
إن تقديم العلوم بعامة والفيزياء بخاصة للنشء هي مهمة جليلة ترقى كثيرا عن أن تكون مجرد أداة كسب مادي. وحري بمن يتصدى لها أن يضع نصب عينيه رسالة جليلة ينذر لها نفسه بقية عمره. وبغير ذلك فهو يتحمل جزءا من وزر التردي العلمي الذي نشهده ونعيشه. فحبذا لو حاول كل منا سد الثغرة التي يقف عندها فلا تؤتى الأمة من قبله.
المادة:
منذ بداية القرن العشرين أصبح من المعروف أن المادة غير قابلة للتجزئة إلى مالانهاية، بل انها تتكون من جسيمات مادية قطرها في حدود 10-10m سميت بالذرات (Atoms).وجاءت أولى الدلائل على وجود الذرات من دراسة التفاعلات الكيميائية وسلوك الغازات، كما حصل الفيزيائيون على دلائل مباشرة على وجود الذرات باستخدام المجاهر الحديثة ذات القدرة التكبيرية العالية، إلا أن أقوى هذه المجاهر لا تستطيع استكشاف التركيب الداخلي للذرات ولذلك قام العلماء بوضع تصوراتهم لتركيب الذرة الداخلي من خلال التجارب والنتائج المتوفرة لديهم في ذلك الوقت.
يتناول هذا المقرر دراسة تفصيلية للنماذج التي وضعها العلماء لتركيب الذرة مثل نموذج طومسون ونموذج رذرفورد ونوذج بور. وكل نموذج حقق العديد من الظواهر وفشل في أخرى وهذا ما سيتم توضيحه من خلال تناول كل نموذج بالدراسة. كما سيتم دراسة تركيب الذرة باستخدام ميكانيكا الكم من خلال معادلة شرودينجر.
تعتمد دراسة تركيب الذرة بشكل اساسي على فهم الطيف الكهرومغناطيسي للذرة باعتبارها بصمة مهمة تكشف عن بنية الذرة ونركز من خلال هذا المقرر على طيف الهيدروجين باعتباره أبسط الأطياف الذرية والمدخل إلى بناء النماذج الذرية. ولأهمية هذا الموضوع يرجى الاطلاع على الشرح المفصل الخاص بـ ما هي الأشعة الكهرومغناطيسية؟
الطيف الكهرومغناطيسي أو الأشعة الكهرومغناطيسية أو الامواج الكهرومغناطيسية كلها تحمل نفس المعني الفيزيائي وحين التحدث عن جزء خاص من هذا الطيف الكهرومغناطيسي مثل الضوء المرئي والمايكروويف واشعة اكس واشعة جاما وموجات التلفزيون والراديو كلها عبارة اشعة تعرف باسم الاشعة الكهرومغناطيسية Electromagnetic Radiation وكلها لها نفس الخصائص ولكنها تختلف في الطول الموجي Wavelength أوالتردد Frequency ولتوضيح ذلك استعن بالعرض التوضيحي ادناه وقم بتحريك المؤشر لتغيير الطول الموجي. لاحظ أنه كلما ازداد الطول الموجي قل التردد والعكس صحيح.
وكما نعلم فإن الامواج المتكون في وسط مثل الماء فإن جزيئات الوسط (الماء) هي التي تتذبذب فتنتج اضرابات تنتشر في وسط الماء. وكذلك الحال في الامواج الصوتية حيث ان الصوت ينتقل من خلال اضراب في جزيئات الهواء على شكل تضاغط وتخلخل ينتشر في الفراغ. ولكن الحال مختلف في الامواج الكهرومغناطيسية حيث أن الذي يتموج (يتذبذب) في هذه الحالة هو المجال الكهربي الذي ينشئ من تذبذب الجسيمات المشحونة مثل الإلكترون ذو الشحنة السالبة أو البروتون ذو الشحنة الموجبة. فإذا افترضنا شحنة سالبة (إلكترون) مرتبطة بزنبرك لنجعلها تتذبذب تحت تإثير قوةالزنبرك كما في الشكل التوضيحي ادناه حيث بامكانك زيادة قوة الزنبرك من خلال المؤشر اسفل الشكل واعطاء الشحنة السالبة إزاحة صغير وتركها تتذبذب فينتج عن ذلك انبعاث اشعة الكهرومغناطيسية تنتشر في الفراغ بسرعة الضوء وتتأثر بها الشحنةالموجبة على الطرف المقابل.
الأشعة الكهرومغناطيسية
وهذا سبب تكون الاشعة الكهرومغناطيسية حيث ان تذبذب الشحنات المكونة للذرة يؤدي إلى انبعاث الطيف الكهرومغناطيسي والذي يقوم بدور الزنبرك هو درجة الحرارة التي تمد الشحنات بالطاقة أو اي نوع من انواع الإثارة Excitation مثل التصادمات وغيره. ويعتمد الطول الموجي للاشعة الكهرومغناطيسية على درجة اثارة الشحنة ومن هنا نجد ان الطبيف الكهرومغناطيسي له مدى واسع وللتميز بين الاطوال الموجية اعطيت اسماء مختلفة مثل اشعة المايكروويف والاشعة المرئية واشعة اكس واشعة جاما وهكذا كما نلاحظ في الشكل المقابل.خصائص الاشعة الكهرومغناطيسية
الاشعة الكهرومغناطيسية تنتشر في الفراغ بسرعة ثابتة هي سرعة الضوء وقيمتها 3x108m/s2. تنتقل هذه الاشعة في الفراغ وتنقل الطاقة من المصدر source إلى المستقبل receiver. تم اكتشاف هذه الاشعة على مراحل حيث كان العالم هيرتز Hertz 1887 أول من عمل في هذا المجال وكان في ذلك الوقت فقط اشعة الراديو والاشعة المرئية ومن ثم تم اكتشاف باقي الطيف الكهرومغناطيسي من خلال الملاحظات والظواهر الفيزيائية.الاشعة الكهرومغناطيسية لها طول موجي l وتردد n يحدد خصائصها وترتبط سرعة الاشعة الكهرومغناطيسية مع التردد والطول الموجي من خلال المعادلة كما هو واضح في الشكل المقابل مخططاً لكامل الطيفالكهرومغناطيسي حيث يبدأ من امواج الراديو ذات الطول الموجي الطويل والتردد المنخفط ثم منطقة اشعة المايكروويف ومنطقة الاشعة تحت الحمراء ثم منطقة الاشعة المرئية ثم منطقة الاشعة فوق البنفسجية ثم منطقة اشعة اكس ثم منطقة اشعة جاما. وهذا التسلسل هو تبعاً لزيادة تردد هذه الموجات. ولكل منطقة من مناطق الطيف الكهرومغناطيسي خصائص تميزها عن بعضها البعض وبناء عليه نتجت تطبيقات مختلفة لهذه الاشعة وللعلم فإن منطقة الطيف المرئي هي التي منحنا الله سبحانه وتعالى القدرة على رؤيتها وهي المنطقة التي تستجيب لها شبكية العين لتتمكن من رؤية الاشياء من حولنا.