القائمة الرئيسية

الصفحات

هل التمايز الموجود بين العادة و الإرادة يمنع سبل التقارب بينهما؟

 هل التمايز الموجود بين العادة و الإرادة يمنع سبل التقارب بينهما؟

طرح المشكلة:     

     يحتاج الإنسان للتكيف مع محيطه إلى جملة من الوظائف و الفاعليات التي تساعده على إدراك العالم الخارجي و تعتبر العادة و الإرادة من أهم هذه الفاعليات، حيث أن الأولى تتمثل في اكتساب الفرد أفعال أو صفات جديدة تمكنه من التأقلم مع الواقع في حين أن الثانية تتمثل في القدرة على الفعل أو الترك مع الوعي بالأسباب، حيث اختلف الفلاسفة حول طبيعة العلاقة بين العادة و الإرادة أثناء السلوك الإنساني. فما طبيعة العلاقة بينهما؟ وما الذي يميز العادة عن الإرادة؟

محاولة حل المشكلة:

أوجه الاختلاف:

      تتميز العادة عن الإرادة في نقاط مختلفة تجعل كل واحدة منهما لها خصائص مقومة لها، حيث أن السلوك العادي سلوكا آليا و تتكون عن طريق التكرار إذ قال أرسطو في هذا الصدد " العادة وليدة التكرار"، واعتمادا على هذه الآلية التي تميز العادة فإنها لا تتطلب تدخل الإرادة لأنها خاضعة لقوانين ميكانيكية . فهي تكون بأقل جهد وفق حركات مخزونة في الجسم أي فعل قديم نمطي و رتيب . على عكس الإرادة فتخضع أفعالها إلى العقل و المدوالة والاختبار بعد تصور الغايات و تحديد الصعوبات و العوائق و الاستعداد لمواجهتها أثناء التنفيذ، فالفعل الإرادي فعل تأملي واعي يتطلب الجهد و الانتباه فهو ذو وظيفة نفسية شعورية حيث أن الفاعل المريد يشعر بما يفعل ويعي ما يقول ويدرك في الوقت نفسه غاية فعله، لذلك فهو مسؤول عنه لأنها تشترط الحرية باعتبارها مرتبطة بالعقل على عكس العادة لا تشترط الحرية باعتبارها مرتبطة بالجسم أكثر. كما أن الإرادة تعلو على مستوى التبات و الروتين الذي تتصف به العادة إلى مستوى التجديد و الإبداع من طرف الذات العاقلة التي تطمح إلى التطور من أجل مواكبة الواقع المتغير.

أوجه التشابه:

 يشترك الفعل الإرادي و الفعل العادي في أنهما مكتسبين و يساعدان على التكيف  و مواجهة الواقع و ما يطرحه من صعوبات و عوائق، كما أنهما يساهمان في تنظيم سلوك الإنسان   و توجيهه نحو غايات معينة، و يرتبطان معا بشروط عضوية ، نفسية، و اجتماعية فهما يتأثران من جهة مثلا بقوة الجسم و ضعفه و بالميول و العواطف و الأهواء،

و من جهة أخرى بالعقل كما أن الإرادة تتأثر مثل العادة بالتربية و التعليم لأن الفعل الإرادي قرار شخصي يتحكم فيه الوعي وعي ما يجري في الحياة، و ما يتداول فيها من قيم و عادات    و تقاليد، و ما يسري فيها من أنماط و نماذج ثقافية، فالذي لا يعي هذه الأمور لا ينجح في الغالب في اتخاذ القرارات الصائبة.

أوجه التداخل:

لا تتكون العادة في غياب العقل أو دون تدخل من الوعي إلا إذا كانت عادة سلبية تم تعلمها في غياب الإرادة، أما العادات الإيجابية فتكتسب بالإرادة عن طريق بذل جهد التعلم و مواجهة مشكلات الحياة ، كما هو الحال في تعلم الكتابة و القراءة و تعلم السياقة و هذا على سبيل المثال لا الحصر حيث أن العقل لا يغيب تماما عن هذه الأفعال وإنما يبقى يراقبها ليعمد إلى مساعدتها كلما واجهتها عراقيل أو مشكلات معقدة. و الإرادة بدورها كثيرا ما تستعين بالعادة لتوفير الجهد و للتحرر من الأفعال الآلية و التفرغ للأمور المعقدة  و الأوضاع المتجددة و بهذا لا تكون الإرادة قوية إلا بفضل العادة.

حل المشكلة: 

  إن عملية تكيف الإنسان مع الواقع مرهونة بفاعلية العادة و الإرادة معا حيث أن العادة الايجابية لا تناقض الإرادة بل إنهما يقومان على التكامل و التفاعل بينهما حتى قيل أن الإرادة قضية عادة .