القائمة الرئيسية

الصفحات

هل المساواة المطلقة أساس تطبيق العدالة الاجتماعية ؟





يمكنك قراءة الموضوع مباشرة أو تحميله من الرابط أسفله


هل المساواة المطلقة أساس تطبيق العدالة الاجتماعية ؟
 هل يتحقق العدل بالمساواة أم بالتفاوت ؟



من الشائع القول أن كل المجتمعات تسعى إلى تحقيق "العدالة" وتطمح إلى  بلوغ السلام والازدهار الاجتماعي من خلالها، ولهذا قال العلامة ابن خلدون قديما "العدل أساس الملك"، ولقد ارتبط هذا العدل اشد الارتباط بمفاهيم محايثة له هي الحقوق والواجبات وبالأخص مفهوم المساواة، عند هذا الحد يبرز إشكال ينبثق عن محاولة التفكير في العلاقة بين العدالة والمساواة، فأمام التفاوت الطبيعي لقدرات البشر هل يبقى هناك مجال للحديث عن المساواة، ألا تعنى العدالة احترام التفاوت عند توزيع الحقوق، و هل العدالة تتحقق على أساس المساواة أم التفاوت ؟

الموقف الأول:
إن غاية كل عالم قانون وفيلسوف هو تطبيق العدالة الاجتماعية لهذا السبب أقام البعض العدالة موازية لتطبيق المساواة المطلقة بين أفراد المجتمع مادام رمز العدالة هو توازي كفتي الميزان، و إزالة كل تفريق أو تمييز بينهم لإنهاء الظلم و الجور، فالعدل هو أن يأخذ كل الناس نفس الحقوق إن قاموا بنفس الواجبات، ويقفون أمام القانون متساويين مهما اختلف جنسهم   وعرقهم و عقيدتهم، يقول الخطيب الروماني شيشرون في هذا الصدد "الناس سواء وليس شيء أشبه بشيء من الإنسان بالإنسان لنا جميع عقل و لنا جميع أحاسيس، و إن اختلفنا في العلم فنحن متساويين في القدرة على التعلم" و ساندهم "مالبرانش" حين قال:" إن الطبيعة الإنسانية واحدة عند جميع الناس" فكلنا من آدم و حواء إذا فنحن إخوة، فلا المكانة الاجتماعية و لا اللون يميز بيننا، و بذلك جاءت قدسية المساواة في الإعلان عن حقوق الإنسان و المواطن في الثورة الفرنسية 1789، والإعلان العالمي لحقوق الإنسان بالأمم المتحدة 1945، فإذا كان الطبيب يعالج الأمراض فإن عامل النظافة يقينا منها، فلماذا نعتبر الأول أهم من الثاني!.

النقد: إن هذا الطرح حمل هما و بعدا إنساني سامي، لكن لا يمكن إغفال الواقع و الطبيعة الإنسانية التي تبين لنا التفاوت الطبيعي بين الناس، بين الكسول و النشيط العالم و الجاهل، الغني و الفقير، الشجاع و الجبان، فكيف تساوي بين من هم ليسو متساوين أصلا!..، إن التفاوت لا يتناقض مع العدل .

الموقف الثاني :
لقد تصور أفلاطون في كتابه "الجمهورية" مجتمعا طبقيا عادلا على أساسه يحترم كل شخص مكانته حسب قدمت له الطبيعة من قدرات، و بذلك قسم المجتمع إلى ثلاث مستويات الطبقة الذهبية وهم الحكام الفلاسفة و الطبقة الفضية وهم الجنود و الطبقة البرونزية وهم العبيد الذين تسيطر عليهم شهواتهم  وليس بعيدا عن أفلاطون نجد  "نيتشه"  الذي رأى هو أيضا أن العدالة لن تتحقق إلا باحترام التفاوت الطبيعي بين أفراد المجتمع فأخلاق الناس صنفان المتصفون بأخلاق الأسياد(الإنسان الأعلى) وهناك أخلاق العبيد، ولا بد للإبقاء و الحكم للأسياد طبعا، أما هيجل فباعد ليس فقط بين الأفراد بل حتى بين الأمم، فالحضارة اليونانية لا تساوى بها امة أخرى في عصرها، وعلى نفس النهج يرى الطبيب الفرنسي "آلكسيس كاريل"  "إن البشر مختلفون بالطبيعة بين الأذكياء و الأغبياء، لهذا يجب توفير الرعاية القصوى للعباقرة و عزلهم عن الآخرين، لأنهم أمل الإنسانية في التطور و الارتقاء" .

النقد : رغم صلابة هذا الطرح بسبب توافقه مع حقيقة الحياة والطبيعة إلا أنه نحوا منحا عنصريا فالتفاوت تعسف  وظلم قد يسبب النزاع و الحروب لما يحمله من تقسيم وتمييز بين البشر.

التركيب :لهذا عرض أرسطو فكرة الاستحقاق و الكفاءة و هذا هو العدل في توزيع الثروات و المناصب يقول " تنجم الخصومات و الاعتراضات عندما لا يحصل أناس متساوون على حصص متساوية ، أو عندما يحصل أناس غير متساويين على حصص متساوية" .

الخاتمة: وهكذا نستنتج أن العدالة هي انسجام بين المساواة و التفاوت، فأولا تقدم فرص متكافئة لكل الناس ثم نفاضل بينهما حسب الاستحقاق والجدارة كتقديم فرص متساوية للتعلم ثم نفاضل بين العالم والجاهل، فلا يجوز مساواة بين الشجاع و الجبان و لا الكسول و النشيط  كما تقوم الأولوية للمحروم في المساعدة فالعدالة تقوم على المساواة في حالات و التفاوت في حالات أخرى .