يمكنك قراءة الموضوع مباشرة أو تحميله من الرابط أسفله
|
مذكرة درس تاريخ الفلسفة اليونانية السنة الثانية اداب و فلسفة
|
طرح المشكلة
إن تاريخ الفكر الفلسفي مر بمراحل متعددة بداية من الفلسفة اليونانية ثم
الفلسفة الإسلامية انتقالا إلى الفلسفة الحديثة ثم الفلسفة المعاصرة ،لكن هذا
يدعونا إلى التساؤل كيف للفكر الفلسفي أن يكون متعددا وواحدا في آن واحد ؟
І) تاريخ الفلسفة اليونانية :
مقدمة :
إن الدارس لتاريخ الفكر اليوناني يدرك بأن هذا الفكر تمحور حول ثلاث
مشكلات رئيسة وهي : ماذا فوق الأشياء ؟ وماذا وراءالأشياء؟وكيف نعيش مع
الأشياء؟، لكن كيف استطاع العقل اليوناني الوصول بالفلسفة إلى أوجها بعد أن كان
مكبلا بقيود الخرافة والأسطورة ، وكيف دعا الإنسان إلى استثمارها في حياته
الخاصة؟
أولا :ماذا فوق الأشياء؟
لقد وجد الإنسان اليوناني نفسه أمام جملة من الظواهر الطبيعية الغريبة
عليه ،والتي كانت أكبر منه قوت وعظمة ، لذلك حاول أن يفهمها لإراحة فضوله، وحتى
يحمي نفسه منها أيضا ،وهذا ما جعله يتساءل عن أصل هذه الظواهر وعن كيفية السيطرة
عليها ، لكن التأثير العظيم الذي تتركه عظمة الكون وجماله وقوانينه المحكمة
جعلته يخشاها ويندهش لها ، فاعتقد بوجود قوة قاهرة ومدبرة فوقه يتمثل في الإله
بمفهومه الواسع، وكانت الآلهة متعددة عنده ، مثل : إله المطر ، إله البحر ، إله
السماء، لذلك كان عليه أن يتعبد هذه الظواهر ويتوسل إليها ، ومن هنا كانت فكرة
الطقوس والسحر والتعاويذ والعادات الغريبة ، ولهذا سميت هذه المرحلة بمرحلة
التفكير الخرافي أو الأسطوري التي ساد فيها التفسير الغيبي الميتافيزيقي للحوادث
الممكنة في هذا الكون ، وغاب فيها احتكام العقل بل تكبل وتحجب عن معرفة الحقيقة
.
ثانيا :ماذا وراء الأشياء؟:
أ ـ العناصر الأولى المادية لوجود الأشياء؟
بدأ يتلاشى التفسير الخرافي للأشياء مع بدايات القرن السادس قبل الميلاد
مع الفلاسفة الأيونيون من خلال ظهور محاولات لتفسير الكون والأصول الأولى
لوجوده(العلم الطبيعي)باستخدام البرهان ومن أشهر هؤلاء :
طاليس :وهو
يرد أصل الكون إلى الماء ودليله في ذلك أن النبات والحيوان يتغذيان من الرطوبة
وأصل الرطوبة هو الماء وما يتغذى منه الشيء ويولد منه فهو بالضرورة يتكون منه ،
وحتى التراب يتغذى من الماء ،فالأرض عنده خرجت من الماء وصارت قرصا يسبح فوق لجج
مائية ، أما التنوع والاختلاف الموجود بين الأشياء فهو راجع إلى اختلاف كمية
الماء التي تتركب منه.
أنكسيمانس : وهو يرد أصل الكون إلى الهواء ودليله في ذلك أن الهواء يحيط بالعالم
ويحمل الأرض ، وهو أسرع حركة وأوسع انتشارا ، فالهواء هو نفس العالم وعلة حدوثه
، ويؤكد أن تكون الموجودات وحدوثها يكون إما بتكاثف الهواء وإما بتخلخله ،
فتكاثفه ينتج عنه الرياح والسحب والمطر والتراب ، وتخلخله ينتج عنه النار
والشموس والأقمار والكواكب وغيرها.
هراقليطس:يرد أصل الكون إلى النار ودليله في ذلك أن كل الأشياء في العالم لا تكف
عن الاحتراق ،وبهذه العملية يتحول الشيء باستمرار إلى الآخر (مبدأ التغير
المستمر)، وليست هذه الحياة التي يحياها الانسان وهذا النشاط العقلي الذي يميزه
إلا قبسا من تلك النار ، فكلما كثرت النار في جسم ازدادت حيويته وكلما قلت في
جسم كان أقرب إلى الموت واللاوجود.
ديموقريطس:
إمبذوقليدس :يرد أصل الأشياء إلى عنصر متجانس يدعى الجوهر الفرد أو الذرة التي لا
تقبل التقسيم وهي لا نهائية العدد ، دقيقة جدا يتعذر إدراكها بالحواس.
أناكساغوراس :يرى أن أصل تكون الأشياء يعود إلى قوة مجردة ذكية وبصيرة تدبر شأنها ،
فتولد الحركة في الأشياء ،فتتكون العوالم ،فهو يعتقد أنه يستحيل على قوة عمياءأن
تخرج هذه العوالم في هذه الدقة والجمال والتناغم ، إلا أن العقل لم يخلق المادة
من عدم ، بل هما عنصران قديمان أزليان نشأ كل منهما بذاته .
فيثاغورس:يرجع أصل الأشياء إلى العدد دليله في ذلك أن كل ظواهر الكون يعبر عنها
بالعدد ، وهي نظرة تؤكد أن الفيثاغوريين تجاوزوا النزعة الحسية ووصلوا إلى نوع
من التجريد والتفكير المحض.
ب ـ ماذا وراء الانسان ؟ (أي هل الانسان هو مصدر الحقيقة؟):
بانتقال الفكر من التفسير المادي إلى التفسير التجريدي اتجه البحث إلى
الانسان باعتباره الكائن الذي يعود إليه فهم الطبيعة ، وماذا وراءها ؟وهل حواسه
هي مصدر المعرفة وميزان الحقيقة أم أن العقل هو الذي يقررها؟
1 ـ الحواس هي مصدرمعرفة الأشياء: يمثل هذا الاتجاه السوفسطائيون أمثال جورجياس ، هيبياس
، بروتاغوراس ، يرون أن الحواس هي مصدر المعرفة وميزان الحقيقة وهي التي تحدد
مدى صواب الأمر ، يقول بروتاغوراس :"الإنسان مقياس كل شيء" ولقد ساروا
على هذا المبدأ في تعليم الطلبة البلاغة والجدل وكافة وسائل الإقناعأي المنطق
الذي يرى فيه المنفعة والمصلحة بالسفسطة أو غيرها، وهذا يعني أن المعرفة عندهم
ذاتية ونسبية متغيرة بحسب ما تقدمه الحواس.
2 ـ الحقيقة يقررها العقل :
سقراط :يعتبرباعث
الفكر الفلسفي الحقيقي في المجتمع اليوناني إذ عمل على محاربة السوفسطائيين
ومغالطاتهم ، فهو يرى أن الحقيقة يقررها العقل وأن حواسنا تخدعنا ، ولا تدرك
الموجودات كما هي في حقيقتها ، بل كما تبدو لحواسنا رافعا شعار: "كل ما أعرفه هو أنني لا
أعرف شيئا " وبهذا شك سقراط في كل الحقائق المقررة ورفض كل شيء في الأساطير
التقليدية والمعتقدات الدينية التي لا تتفق وكون الله خيرا ، لأن الإنسان لديه
معرفة مؤكدة عما هو الخير والشر والصدق والكذب (قيم ثابتة مطلقة) لأن العقل
يعتبر معيارا أساسيا في قياس أفعال الناس، وكان سقراط يستعمل في تعليمه للمعرفة منهج التوليد للأفكار
والذي يقوم أولا على إقناع متعلمه بجهله أما عند جداله مع السوفسطائيين فكان
يستعمل أسلوب التهكم أو السخرية ليدحض حججهم عن طريق إسقاطهم في الفخ.ولكن
بطريقة عقلانية فعالة في تحصيل المعرفة.
أفلاطون :هو من أبرز تلاميذ سقراط تناول الكثير من قضايا الفكر وعبر عنها في نسق
فلسفي متكامل يشمل الوجود والمعرفة والأخلاق والسياسة وغيرها ، والحقيقة عند
أفلاطون مصدرها العقل وليس الحواس لذلك فهو يفرق بين عالمين : عالم المحسوسات
المزيف الذي يتميز بالتغير ويحفل بالتناقضات ، وعالم المعقولات (عالم مثالي
)الذي يعبر عن الحقيقة الكاملة. أما عن المعرفة عند أفلاطون فهي قائمة على نظرية
التذكر بحيث يرى أفلاطون أننا كنا نعيش في عالم المثل ، لكن عند ولادتنا وحلول
النفس في الجسد انغمست في عالم الحس ، فنسيت عالم المثل فإذا أراد الإنسان معرفة
شيء ما فما عليه إلا أن يعرف كيف يروض نفسه على تذكر كل المثل ، لذلك فهو يرى أن
بمجرد موت الجسد فإن النفس تذهب إلى عالم المثل ، وبعد مدة تعود لتحل في إنسان
آخر
أرسطو :هو
تلميذ أفلاطون ، يلقب بالمعلم الأول ، خالف أستاذه في بعض جوانب المعرفة وينتقده
خاصة في عالم المثل ، لكنه يدافع عن العقل ويعتبره ضروريا من أجل بلوغ الحقيقة ،
يرى أرسطو أن هناك أربعة أنواع من الأسباب هي التي تتحكم في حدوث الأشياء وتحديد
مصائرها وهي :
أ ـ السبب المادي :كأن نقول عن الخشب الذي يصنع منه أنه سبب له .
ب ـ السبب الصوري : أي أن الهيئة أو الشكل الذي يتخذه الكرسي ، والذي يعطيه إياه صانعه ، هو أيضا سبب له .
ج ـ السبب الفاعل : أي صانع الكرسي هو سبب له .
د ـ السبب الغائي : أي أن الغاية من الكرسي ، وهو استخدامه في الجلوس ، سبب من أسبابه.
وهذا معناه في نظر أرسطو أن هناك عالما حقيقيا واحدا، هو عالمنا الذي
نعيش فيه، وهو بمادته قديم ، موجود منذ الأزل ، وأن هناك في المادة نفسها إمكانا
للتطور بالانتقال من صورة إلى صورة أخرى أرقى ، يقول أرسطو :" إن كل
خروج من القوة إلى الفعل محتاج إلى محرك بالفعل "وهو يقصد بهذا المحرك الله
الذي يحرك العالم بعقله دون أن يتحرك هو.
هكذا إذن أصبحت أصول الأشياء في الفكر الفلسفي الأرسطي الراقي عللا كامنة
في الأشياء بعدما كانت أسبابا خارقة فوقها أو صورا متتالية قبلها.
ثالثا : كيف نعيش مع الأشياء ؟
بعد أن وصل الفكر إلى أوجه مع أفلاطون وأرسطو، بدأت تطرح تساؤلات أخرى :
كيف نتصرف في الأشياء ؟ كيف نعيش ؟وكيف توجه المعارف في خدمة الإنسان؟ وهل
يستطيع الإنسان أن يحقق بذلك السعادة والحرية ؟ وهذا ما أدى إلى ظهور إجابات
ظهرت في أعمال كل من :
1 ـ المدرسة الرواقية : مؤسسها زينون الإيلي ، ترى أن الله هو العقل المطلق الذي يسير
العالم بالحكمة ، هذا العالم يسير إلى غاية وخاضع لقوانين ثابتة وفق قانون العلة
والمعلول، وبذلك فهي ترى أن الانسان منزوع الحرية لأنه لا يمكن أن يكون حر
الإرادة في عالم مجبر.أما في مجال الأخلاق فتعتقد بأن الحكمة تدعو الإنسان إلى
العيش على وفاق مع الطبيعة ، وتكمن الفضيلة في السير حسب العقل ، وهذا يقتضي
محاربة الشهوات والتشدد في مراقبتها ، وهي تعني التوجه إلى حياة التقشف والزهد
.أما في مجال المعاملات فهي ترى بالضرورة الملحة على عدم التفريق بين بني
الإنسان كائنا ما كان
لكن إذا كان الإنسان جزءا من الطبيعة ، يشعر بهيبتها، وبهيبة مدبرها
(الخوف)فكيف يبني سعادته ، ويؤسس سكينته ؟
المدرسة الأبيقورية: مؤسسها أبيقور، ترى أن السعادة لا تتحقق إلا بالبحث عن اللذة
لأنها أسمى الفضائل وهي الغاية التي نسعى إليها دون انقطاع ، لكن بهذا التصور
الجديد يكون أبيقور قد حدد أسباب السعادة بعوارض طبيعية ، فقد أرجعها إلى
مسببات اللذة والألم .
حل المشكلة:
مر التفكير الفلسفي اليوناني في تفسير الأشياء الخارجية بالانتقال من
مرحلة لاهوتية إلى مرحلة العقل الفلسفي ثم حاول بعد ذلك توجيه معارفه واستثمارها
في حياته قصد التعايش مع الواقع.
|