القائمة الرئيسية

الصفحات

أثبت الأطروحة التالية {التخيل قدرة إبداعية تتجاوز الواقع}







يمكنك قراءة الموضوع مباشرة أو تحميله من الرابط أسفله


السؤال: أثبت الأطروحة التالية {التخيل قدرة إبداعية تتجاوز الواقع}



المقدمة{طرح المشكلة}
من المتداول  لدى أصحاب النظرية التجريبية في المعرفة أن العقل يولد صفحة بيضاء ثم تسجل عليها التجربة الحسية ما تشاء من معارف وصور ومن ثمة يكون الفكر في هذه الحالة مرآة عاكسة للواقع الطبيعي من حيث أن أفكاره نسخ طبق الأصل عن الأشياء الحسية ومن هنا شاع لدى التجريبين أن جميع النشطات العقلية مرتبطة بالواقع التجريبي ومنها التخيل الذي لا يعد مجرد استرجاع لصور الأشياء بعد غيابها عن الحس غير أن أصحاب الطرح العقلي خالفوا هذا الاعتقاد وأقروا أن التخيل يقوم على تجاوز الواقع إلى وإبداع صور جديدة عن طريق فعلي التركيب والتحليل فإلى أي مدى يمكن إثبات الطرح القائل بإبداعية الخيال وتجاوزه للواقع؟ وما هي الحجج والبراهين المؤيدة لذا الطرح؟
محاولة حل المشكلة
عرض الأطروحة المراد إثباتها{التخيل تجاوز للواقع}
يرى الفلاسفة العقلين ومن بينهم ديكارت و غاستون باشلار وابن سينا أن وظيفة الخيال الأساسية تكمن في تجاوز الصور الواقعية إلى صور لا واقعية وهو ما يجعل منه قدرة إبداعية تؤدي إلى ابتكار صور جديدة.
حيث نجد أبو الفلسفة الحديثة روني ديكارت يصنف الأفكار التخيلية في الصنف الثاني من أقسام أفكار النفس وهي تقوم على قدرة المخيلة على ابتكار أفكار لا وجود لها في الواقع رغم أن عناصرها موجودة فيه فهي تنطلق من الواقع لكن لا تعود إليه بل تتجاوزه كليا عن طريق حرية الذات في تركيب الصور وتحليلها كفكرتنا عن حيوان له وجه إنسان وجسم أسد كأبي الهول بجوار هرم الجيزة ويعبر ديكارت عن جموح الذات وحريتها اللامتناهية في التخيل حينما يقول{يمكنني أن أتخيل حصان يطير} ولا شك أن هذه الفكرة لا يمكن أن يكون لها مقابل في العالم الحسي فهي ليست مكنة الوجود في الواقع أصلا وبهذا يكون الخيال تعبيرا عن قدرة المخيلة في تجاوز حدود ما هو مشاهد في عالم الحس حيث يقول لالاند {إن التخيل ملكة تركيب شيئا لا واقعيا ولا موجودا} وهو تعبير صريح يدل على أن الفكرة التخيلية لا يمكن أن نجد لها مقابل في الواقع لأنها في الأصل ليست موجودة بل ولا يمكن أن توجد أصلا كفكرتنا عن كائنات فضائية تسكن الكواكب الأخرى وبتالي فالتخيل يقوم على تجاوز حدود كل ما هو مكاني وزماني ومن اجل هذا يؤكد غاستون باشلار صاحب كتاب الفكر العلمي الجديد أن التخيل لا يقوم على تشكيل صور الواقع واستحضارها كما هي  بل إن وظيفته الجوهرية تكمن في تجاوز صور الواقع إلى صور اللاواقع حيث يقول معبرا عن رأيه{التخيل ليس ملكة تكوين الصور بل هو ملكة تغيير الصور التي يقدمها الإدراك} ويقول أيضا {هو الملكة التي نتحرر بها من الصورة الأولى}وهو  ما يعبر عن الانفتاح الفكري اللامتناهي الذي يسمح للإنسان بالإبداع حسب قدراته الخاصة على التخيل والابتكار وهي القدرة ذاتها التي جعلت أفلاطون يتخيل وجود عالم المثل والمدينة الفاضلة ومكنت الرياضيين من إبداع الأعداد المركبة والتخيلية والهندسة الفضائية والمعلم الثلاثي الأبعاد وجعلت اينشتاين يبدع نظرية النسبية ويقول بنسبية الزمن بين القمر والأرض وبهذا ففعل المخيلة كما يرى أمير الفلسفة ابن سينا{980/1037م} يستند أساس إلى النفوذ من الواقع إلى اللاواقع ومن الطبيعة إلى ما وراء الطبيعة حيث يقول {هو قدرة إنسانية نخترق بها الأشياء وننفذ بها إلى ما وراء الواقع} وهذا نابع حسب ابن سينا من حرية الذات المطلقة في التصرف بالصور الحسية من جهتي التحليل والتركيب أي تجزيء الصور الكلية ثم بناء صور جديد من خلال تركيب تلك الصور الجزئية في شكل جديد مع مزجها بصور أخرى وفي هذا يقول ابن سينا معبرا عن تعريفه للخيال{التخيل هو قدرة العقل على التصرف في الصور بالتحليل والتركيب}.
نقد خصوم الأطروحة{التخيل لا يتجاوز حدود الواقع}:ورغم الحجج السالفة إلا أن بعض الفلاسفة والمفكرين كجون ستيوارت ميل ومحمد عابد الجابري خالفوا الطرح العقلي وقالوا أن الخيال ينطلق من الواقع ليس ليتجاوزه بل ليعود إليه من جديد.
حيث ينطلق جون ستيوارت ميل من المبدأ التجريبي العام القائل انه لا يوجد في الأذهان إلا ما هو موجود في الأعيان ومن هنا فكل الصور الذهنية ما هي في الأصل سوى صور حسية في طابع عقلي مجرد وبتالي غلا يمكن للفكر مهما استغرق في التجريد أن يتخلص من الواقع وعلى هذا فليس التصور حسب جون ستيوارت ميل إلا مجرد استحضار للصور الماضية مع تجرديها من طابعها الزماني والمكاني  وبتالي فلا يمكن له أبدا التملص من أصله الواقعي الحسي ولهذا نجده ينفي وجود تخيل خالص مفارق للواقع حيث يقول{لا وجود لخيال صرف منفصل عن الواقع} أما ما يبدوا في الفكر من صور تخيلية وهمية فمرده حسب ميل إلى الأخطاء الناتجة عن الإدراك كالخداع البصري والخداع الحركي ونجد تأيد لهذا الرأي عند المفكر العربي المعاصر محمد عابد الجابري حينما يفسر الخيال العلمي الذي يرى انه يحاول تجاوز الواقع ولكنه يجد نفسه في كل مرة ملزم بالعودة إليه لكي يبرر نفسه تجريبيا وبتالي فخيال العالم ينطلق من الواقع ويعود إليه حيث يقول الجابري{إذا كان العالم يقفز بخياله فوق الواقع فلكي يعود إليه} ومن اجل هذا  فلا يمكن الحديث عن تخيل غير واقعي في المجال العلمي لأنه سيكون غير مبرر حيث يقول الجابري عن خيال العالم{وخيالاته مهما طوفت في أفاق بعيدة لا تكتسي صبغة علمية إلا إذا بررتها وقائع التجربة} ومن اجل توضيح أكثر يقدم الجابري مثالا بسيطا مستمد من تاريخ العلم حيث قال أحد العلماء اليونان في القديم  {أعطوني قضيا بطول المسافة التي تفصل الأرض عن القمر ونقطة ارتكاز أسند إليها هذا القضيب في جزء معين وأنا مستعد لزحزحة هذا الكوكب عن موقعه} ورغم ما يبدو لنا من تجاوز للواقع في هذا المثال إلا أن الجابري يرى أن هذا العالم لم يتجاوز حدود ما هو مشاهد في العالم الحسي{ ففي واقعنا التجريبي نلاحظ انه بحركة بسيطة نستطيع أن نحرك صخرة ضخمة بواسطة قضيب نضع له نقطة ارتكاز في مكان معين}.
إن أصحاب هذا الطرح لم يوفقوا في نظرتهم لان تفسيرهم اقتصر على نوع واحد من التخيل وهو التخيل التمثيلي وأهملوا كليا التخيل الإبداعي لذلك اختزلوا وظيفة التخيل في استرجاع الصور الماضية المكتسبة من الواقع بينما هذا لا ينطبق سوى على النوع الأول أي التخيل التمثيلي أما التخيل التركيبي فيقوم على تركيب الصور تركيبا جديدا متجاوزا للواقع.          

دعم الأطروحة بحجج شخصية واقعية
كما أن علم النفس يؤكد أن التخيل نوعان تخيل تمثلي يقترب من مفهوم التذكر يقوم على استحضار الصور الماضية مع تجرديها من الطابع الزماني والمكاني وتخيل إبداعي يحمل المعنى الجوهري للتخيل وهو يقوم على تركيب الصور تركيبا جديدا وابتكار صور لا وجود لها في الواقع وهذا ما نجده حاضرا في التخيل الفني والأدبي كما هو الحال في الأفلام الخيالية التي تسرد أحداث لا وجود لها كحرب الكواكب وكما هو الحال في الروايات الأدبية التي تعبر عن جموح المخيلة وتجاوزها الكلي للواقع كرواية كليلة ودمنة التي تنقل لنا الحكم على أفواه البهائم ورواية ألف ليلة وليلة.
حل المشكلة{التأكيد على مشروعية الأطروحة}
ومن كل التحليل السالف نستنتج أن التخيل نوعين تخيل تمثيلي يلتزم حدود الواقع وتخيل إبداعي يتجاوزه غير أن حقيقة الخيال متجسدة في النوع الثاني وهو ما يجعل من الأطروحة القائلة{التخيل قدرة إبداعية تتجاوز الواقع} أطروحة صحيحة يمكن تبينها وإثباتها.