القائمة الرئيسية

الصفحات

هل يمكن اعتبار الملكية الخاصة مبدأ طبيعي مؤسس للرفاهية الإقتصادية؟





يمكنك قراءة الموضوع مباشرة أو تحميله من الرابط أسفله


هل يمكن اعتبار الملكية الخاصة مبدأ طبيعي مؤسس للرفاهية الإقتصادية؟


تعتبر الرغبة في الحياة المحرّك الأساسي عند جميع الكائنات الحية خاصة الإنسان والحيوان تدفعهم إلى الحركة داخل الوسط الطبيعي بحثا عن عناصر البقاء وفي محاولة للاستفادة منه لكن حركة الإنسان [قصدية, واعية, هادفة] هذه الخصائص مجتمعة تعرف في الفلسفة وعلم الاقتصاد بظاهرة الشغل الذي يحيلنا إلى موضوع النظم الاقتصادية التي تسعى إلى تنظيم الشغل ضمن منظومة من المبادئ والقواعد تكفل الرفاهية المادية المجسدة للإستقرار الاجتماعي والسياسي بمختلف صوره وإن كانت هذه غاية مشتركة تسعى كل الأنظمة الاقتصادية إلى تحقيقها إلا أن وسائل بلوغها كانت محل خلاف بينهم حيث انطلق الاقتصاد الليبرالي الحر من مبدأ التنافس الحر الطبيعي بينما قال الاقتصاد الاشتراكي بمبدأ المساواة الاجتماعية في الملكية وهو ما خلف جدل فلسفي عميق على المستوى الفلسفة الاقتصادية مضمونه: هل تحقيق الازدهار الاقتصادي يقتضي الانطلاق من مبدأ الملكية الجماعية المتساوية أم من مبدأ الملكية الفردية المتفاوتة؟
  يرى أصحاب الطرح الرأسمالي ومنهم أدام سميث أن النظام الاقتصادي جزء من الحياة الطبيعية لذلك وجب أن يتوافق مع مبادئها وينطلق منها في سبيل بناء رؤية شاملة للحياة المادية المستقرة ومن أهم الغرائز الفطرية عند الإنسان غريزة التملك والاكتساب والتي لبد من أن تتخذ نقطة البدا في التشريع للحياة الاقتصادية لذلك فإن الملكية الخاصة المجسدة لهذه الغريزة الطبيعة تعتبر مبدأ أساس في التصور الرأسمالي .  
وقد استند أدام سميث وغيره من الليبراليين إلى حجج فلسفية ترتبط بماهية النفس الإنسانية وخصائصها الطبيعية ليؤكدوا  أن الأنانية في الملكية حقيقة نفسية لا يمكن تجاوزها ويمكن ملاحظة هذا بوضوح حتى عند الطفل الصغير الذي تعبر شخصيته على الطبيعة الأصيلة للنفس الإنسانية قبل أن تمتز بعوائق المجتمع والدولة حيث أن هذا الطفل يميل دائما نحو الاكتساب وطلب المزيد فإذا ما نحن قدمنا له حبة حلوى وأبقينا الأخرى عندنا فإنه سيأخذ الأولى ولكنه سوف لن يكتفي بها بل إنه يطلب ما في يدنا وفي هذا دليل واضح على الحب الفطري لتتملك عند الإنسان وهو مبرر كاف كي تكون الملكية الخاصة مبدأ جوهري وضروري لأي نظام اقتصادي يريد تحقيق التوافق مع الطبيعة الإنسانية لكنه وإن كان ضروري فإنه ليس كاف ذلك أنه لبد له من مبادئ أخرى تكفله وتنشا عنه مثل مبدأ حرية النشاط الاقتصادي القائم على حرية المنافسة التجارية والإنتاجية هذا ما يستبعد أي تدخل من السلطة في توجيه الحياة الاقتصادية وتسيرها خاصة فيما يتعلق بتحديد الأسعار والأجور التي يحكمها قانون طبيعي أخر هو قانون العرض والطلب الذي يقوم على العلاقة النسبية بين العرض والطلب فإذا زاد الأول وقل الثاني انخفض سعر السلعة في السوق فتصبح سلعة خاسرة وهو ما يؤدي إلى العزوف عن إنتاجها وعندها يقل عرضها ويكثر عليها الطلب فيرتفع سعرها وتصنف كسلعة مربحة وهو ما يدفع إلى رفع إنتاجها فيكون الفائض في العرض لينخفض السعر من جديد وهكذا دواليك وهكذا يسير الاقتصاد نفسه بنفسه وفق نمط طبيعي وهو ما يسمى بالمصطلح الاقتصادي بالسوق الحرة التي تقوم على التنافس الحر بين المنتجين الاقتصاديين وهو ما  يعود بالأثر الإيجابي على الرفاهية الاقتصادية حيث يتحسن الإنتاج كما وكيفا  فتؤدي الصفة الأولى إلى إنخفاض السعر وأما الثانية فتؤدي إلى جودة المنتوج وهذا ما يؤدي من ناحية أخرى إلى استغلال القدرات والمواهب والأفكار بسبب اشتداد المنافسة بين المتعاملين الإقتصاديين وهو ما يشجع على الابتكار والإبداع وهكذا يستجمع سميث خصائص رؤيته الاقتصادية ليصفها أنها جزء من القانون الطبيعي القائم على شعار اقتصادي محوري مضمونه<دعه يعمل دعه يمر>.
رغم أن الاقتصاد الرأسمالي فاعليته يشهد لها التاريخ والواقع كونه انتقل من المحلية إلى العالمية حيث بات هو المتحكم في التعاملات الاقتصادية الدولية من خلال اقتصاد السوق الحرة لكن هذا لا يبرر السلبيات التي خلفها على المستويين الدولي العالمي و الاجتماعي حيث نشأت الطبقية الاجتماعية وما تبعها من استغلال الإنسان للإنسان وثنائية الغني والفقير أما على المستوى العالمي فقد أدت إلى ظاهرة الاستعمار وثنائية المستعمر والمستعمر بالإضافة إلى تدخل الشركات الاقتصادية العملاقة (الشركات المتعددة الجنسيات) في الشؤون السياسية الداخلية للدولة وهو ما يفقدها سلطتها المحلية.
  لكن هذا لم يمنع أصحاب النظرية الاشتراكية الشيوعية من مخالفة الطرح السالف والإدعاء أن الطبيعة الإنسانية متساوية لذلك لبد من تجسيد هذه المساواة  والمحافظة عليها على صعيد الجانب المادي والاجتماعي ولن يكون ذلك ممكنا إلا بإقرار مبدأ الملكية الجماعية ومحاربة الملكية الخاصة لأنها تلغي المساواة وتتجاوزها إلى اللامساواة الطبقية.
وقد استند ماركس وغيره في بناء تصوره الاقتصادي القائم على أساس الرؤية النقدية للنظام الرأس مالي إلى حجج اجتماعية واقعية حيث يؤكد ماركس أن سبب كل المشاكل والأزمات الاجتماعية مرده لمدا الملكية الخاصة لأنه سيؤدي إلى التفاوت الطبقي وهو ما سينتج عنه الصراع بين الطبقات وثورة  البروليتاريا على  الطبقة المالكة للثروة وهو ما سينتج عنه وفق الجدل المادي زوالهما معا كي تظهر طبقة اجتماعية جديدة قائمة على المساواة والشيوعية الاقتصادية وهكذا فإن النظام الرأس مالي يحمل في جذوره بذور فنائه لان يقضي عل نفسه بنفسه بصورة طبيعية حتمية وما يؤدي إلى هذه الثورة بالتأكيد هو الملكية الخاصة لذلك وجب القضاء عليها ذلك انه تؤدي إلى الاستغلال الاجتماعي  والظلم هو ما يجسده مبدأ فائض القيمة الذي يؤدي إلى استنزاف جهد العامل وإستيلابه في نفس الوقت حيث أن ثمن السلعة يساوي في العادة كمية الجهد المبذول في إنتاجها يضاف له ربح يسير وهنا تكون السلعة المربحة في نظر الرأس مالي هي جهد العامل لأنها تحمل خاصية فريدة هي أن استهلاكها يؤدي في نفس الوقت إلى الإنتاج ومن هنا يتعمد صاحب المصنع استهلاك جهد العامل اكبر قدر وقت ممكن يصل إلى إثنا عشر ساعة في اليوم من اجل تحقيق اكبر قدر من الإنتاج وبما أن ثمن السلعة ويجب أن يكون مرتبط بكمية الجهد وجب أن يتلقى العامل أجرا مساويا للإثنى عشر ساعة من الجهد لكن الواقع أثبت أن العامل في النظام الرأس مالي لا يتلقى سوى اجر زهيد لا يعادل سوى ستة ساعات من الجهد(وقت العمل الضروري) أما الستة المتبقية فلا يؤجر عليها(وقت العمل الفائض) فهي تذهب إلى خزينة صاحب المصنع لتصبح جزء من ربحه وهكذا فإنا أرباح أصحاب المصانع هي سرقات متتابعة لجهد العامل وهنا يظهر استغلال الإنسان للإنسان(الغني للفقير) كما أن النظام الرأسمالي يناقض نفسه بنفسه من ناحية أن اجر العامل الزهيد لا يسمح له حتى بشراء السلعة التي أنتجه هو من السوق وهنا يقع في الاستلاب وهو مخالف لمبدأ الملكية الذي يجعله الراسماليين منطلق لتصوراتهم الاقتصادية ومن اجل التخلص من هذا الوضع وتفادي الأزمات لبد من إقرار مبدأ الملكية الجماعية كسبيل للخلاص وتحقيق الاستقرار المادي بما يضمن التوازن الاقتصادي وهكذا لبد من تدخل الدولة في تحديد الأسعار والتخطيط للحياة الاقتصادية في السوق ومنه فلابد من الانتقال إلى الاقتصاد الموجه القائم على مبدأ الملكية المشتركة لوسائل الإنتاج والتوزيع العادل للثروة بالتساوي بين جميع الطبقات الاجتماعية.
رغم أن الاقتصاد الإشتراكي تبدو مساعيه سامية من حيث انه يدعو إلى زوال الفوارق الاجتماعية بين أفراد المجتمع الواحد في الدخل المادي لكنه في الوقت نفسه يدعو على التكاسل والتواكل والقضاء على المبادرات الفردية والإبداع كما أن تصورات ماركس طوباوية لا يمكن تجسيدها في الواقع وبالإضافة على كل هذا فإن الواقع التاريخي يحل لنا معه شهادة على فشل النظام الاشتراكي دوليا بسقوط القطب الشرقي السوفياتي.
إن كلى الموقفين السالفين ركز على جانب واحد من جوانب الحياة الاقتصادية هو الجانب المادي وهو ما لا يضمن استقرار المجتمع لذلك فإننا نجد أسس هذا الاستقرار ومبادئه السامية في التشريع الاقتصادي الإسلامي الذي يربط متطلبات الحياة المادية بغايات السماء السامية فيقيد الجانب المادي بالجانب الأخلاقي حيث يقول تعالى<وأنفقوا مما جعلكم مستخلفين فيه> وهو ما يعني أن المال مال الله والأرض أرضه وما الإنسان إلا وصي يجب عليه أن يلتزم بأوامر مالكه الأصلي ويقوم الجانب المادي للاقتصاد الإسلامي على مبدأ عدالة التوزيع الابتدائي والوظيفي حيث يرتبط الأول بالأسباب المشرعة للملك حيث يحارب الإسلام القوة ويحرم الملك الحاصل بها ويشجع على الاستثمار حيث يقول عليه الصلات والسلام<من أحيا أرضا مواتا فهي له> كما يحارب الاحتكار<لا حق لمحتكر بعد ثلاث سنوات> وهو ما يقضي على التكاسل كما نجد التوزيع الوظيفي يحارب فائض القيمة حيث يقو تعالى<ولا تبخسوا الناس أشيائهم> ويقول صلى الله عليه وسلم<أعطي الأجير أجره قبل أن يجف عرقه>وهو ما يمنع من الإستيلاب وبالإضافة إلى كل هذا نجد الاقتصاد الإسلامي يمزج بين مصلحة الفرد والجماعة ويربط الأولى بالثانية من خلال بيت مال المسلمين وهو ما يجعل منه اقتصاد سامي من نواحيه المتعددة.
ومن كل ما سبق من تحليل نستنتج أن طبيعة النظام الاقتصادي المتبع من قبل الدولة له أثر مباشر على جميع جوانب الحياة الأخرى من سياسة وثقافة وهو ما يجعل منه اختيار إستراتيجي وتفترق النظم الاقتصادية حول خيارين خيار الملكية الفردية أو خيار الملكية الجماعية وفي كل واحد منهما عيوب وسلبيات لا سبيل لتجاوزها إلى بالمزج بينهما وهو ما يتضمنه النموذج الإسلامي الذي يبقى من الناحية النظرية النموذج الأرقى والاسمي رغم أن كل الدول الإسلامية المعاصرة تخلت عنه واتبعت الخيار الرأسمالي