القائمة الرئيسية

الصفحات

هل الإنسان حر أم مقيد ؟ مقالة نموذجية

 - هل الإنسان حر أم مقيد؟.

I/- طرح المشكلة:

 يعيش الإنسان في عالم فيزيائي تحكمه جملة من القوانين الطبيعية والقوى الميتافيزيائية وبما أنه كائن واعي يمتلك إرادة يحاول دائما أن يؤثر في هذا العالم من خلال سلوكياته المختلفة وهنا تنشا علاقة مباشرة بين الإرادة والسلوك كونهما يعبران عن جانبي الحرية عند الإنسان، والحرية عند الفلاسفة تعني:{ القدرة على التصرف باستقلال عن الإكراهات الداخلية والخارجية. أي تجاوز كل إكراه داخلي أو خارجي }، وتعد قضية الحرية إشكالية فلسفية عميقة تعود جذورها إلى بداية التفكير الفلسفي حيث اختلفت الآراء حولها ففي حين نجد البعض ينظر إليها من جهة الإثبات من الوجهة الأخلاقية والنفسية نجد البعض الأخر ينظر إليها من زاوية النفي انطلاقا من مبررات حتمية مختلفة وهو ما يدفع لطرح الإشكال التالي: 

- هل الحرية الإنسانية قضية مثبتة أم منفية؟ 

- هل الإنسان حر أم مقيد؟.

II/- محاولة حل المشكلة:

1/- عرض القضية: يرى أنصار الأطروحة أن الإنسان حر وأن أفعاله صادرة عنه وهو قادر على الشعور بها، وأن الحرية مبدأ مطلق لا يفارق الإنسان وبه يتخطى مجال الدوافع الذاتية والموضوعية. وقال بهذا الرأي أصحاب النزعة العقلية والمثالية {*-"أفلاطـون"، "ديكارت"، "إيمانويل كانط"، "جون بول سارتر"، "هنري برغسون"، "المعتزلة"...}، من مبررات هؤلاء نذكر: أن "أفلاطون" عبر عن الحرية في صورة أسطورة ملخصها أن "آر""Er" الجندي الذي استشهد في ساحة الشرف يعود إلي الحياة من جديد بصورة لا تخلو من المعجزات فيروي ويصف لأصدقائه الأشياء التي تمكن من رؤيتها في الجحيم حيث أن الأموات يطالبون بأن يختاروا بمحض حريتهم مصيرا جديدا لتقمصهم القادم وبعد ذلك يشربون من نهر النسيان"ليــثا""Léthé" ثم يعودون إلى الأرض وفيها يكونوا قد نسوا بأنهم هم الذين اختاروا مصيرهم ويأخذون في اتهام القضاء والقدر في حين أن الله بريء. بينما نجد "المعتزلة" تستند إلى الدليل الأخلاقي انطلاقا من أن الله تعالى عادل عدل مطلق وبما أنه كلف عباده ووعدهم بالجنة وتوعدهم بالنار وجب أن يكونوا أحرارا وبما أن الله لا يكلف عباده بأفعال لا طاقة لهم بها لأن ذاك منافي لمبدأ العدل الإلهي المطلق فمن التناقض أن يكلف الناس بأفعال هم مجبرون على القيام بها ثم يحاسبهم عليها وعلى هذا يتخذ واصل بن عطاء من التكليف دليل لإثبات حرية الإرادة والقدرة على الاختيار. ويؤيد هذا الطرح الفيلسوف الألماني المثالي "إيمانويل كانط" الذي يرى أنه يجب التسليم بوجود الحرية من أجل تأسيس الأخلاق إذ التكليف لا يستقيم إلا إذا كان من يتوجه إليه الأمر حرا مختارا وإلا تعطل التكليف وزالت المسؤولية وتعطل الثواب والعقاب وتبعا لهذا يقول "كانط":{ إذا كان يجب عليك فإنك تستطيع }. أما على المستوى النفسي فنجد "برغسون" يقسم مراتب الوجود النفسي إلى مرتبتين الأنا العميق والأنا السطحي، الثاني قد يخضع للحتميات الاجتماعية أما الأول فهو مرتبط بعمق الشعور النابع من الإرادة الذاتية الحرة وبهذا تكون الحرية واقعة شعورية في النفس وليست مرتبطة بالسلوك المشخص. يرى"جون بول سارتر" أن الإنسان لا يوجد أولا ليكون بعد ذلك حرا وإنما ليس ثمة فرق بين وجود الإنسان وحريته، ﺇنه يوجد أولا ثم يصير بعد ذلك هذا أو ذاك ﺇنه مضطر ﺇلى الاختيار والمسؤولية التي تتبع اختياراته باعتبارها قرارات شخصية مرتبطة بالإمكانيات المتوفرة حوله، والتجربة النفسية تظهر أن الحرية نشعر بها أثناء الفعل وبعده فالندم مثلا تجربة نفسية تدل على أن صاحب الفعل قام بفعله بحرية كاملة، والإنسان يشعر بقدرته على إعدام الأشياء أو ما يسمى بالرفض فهو حر في تكوين شخصيته.

- المناقشة والنقد: استطاع أنصار الأطروحة إثبات أن الإنسان حر وأن أفعاله صادرة عنه وهو قادر على الشعور بها، وأن الحرية مبدأ مطلق لا يفارق الإنسان وبه يتخطى مجال الدوافع الذاتية والموضوعية، لكن، من ناحية أخرى نظروا إلى الحرية من وجهة ميتافيزيائية لا تتعلق بالجانب السلوكي الواقعي كما أن القول بالشعور النفسي دليل على الحرية هو مجرد افتراض ليس له دليل فقد يكون الشعور نفسه محكوم بحتميات لا نشعر بها.

2/- نقيض القضية:

 يرى أنصار نقيض الأطروحة أن الإنسان مسير و ليس حرا ومعنى ذلك أن السلوك الإنساني يسير في دائرة الحتمية فهو يفتقد إلى عنصر الإرادة وقدرة الاختيار والسبب في ذلك أن وجود الحتمية يلغي بالضرورة وجود الحرية، وقال بهذا الرأي أصحاب النزعة الاجتماعية والوضعية ومدرسة التحليل النفسي {مندل، دوركايم، جهم بن صفوان، فرويد...}، من مبررات هؤلاء نذكر: أن الفرقة الكلامية "الجهمية" بزعامة "جهم بن صفوان" و"ضرار بن عمر" ترى أن الإنسان ليس حر ولا يخلق أفعاله بذاته انطلاقا من إرادته الحرة وإنما الله تعالى هو من يخلق الأفعال فيه، لذلك يرى جهم بن صفوان أن الأفعال تنسب إلى الناس على سبيل المجاز وليس على سبيل الحقيقة لان لا فعل لأحد إلا لله وحده يقول جهم بن صفوان:{إنه لا فعل لأحد في الحقيقة إلا لله وحده وإنه هو الفاعل وأن الناس إنما تنسب إليهم أفعالهم على المجاز كما يقال تحركت الشجرة ودار الفلك وزالت الشمس وإنما فعل ذلك بالشجرة والفلك والشمس الله سبحانه}، لهذا نجده يشبه الإنسان بالريشة في مهب الريح حيث لا يسعها أن تختار مسارها بل يدفعها الريح في مساره حيث يشاء فالأمر نفسه بالنسبة للإنسان حيث لا يختار فعله وإنما عليه أن يسير وفق مسار القضاء والقدر فهو خاضع له في كل الحالات وليس بوسعه مخالفته الإرادة الإلهية التي حددت منذ الأزل ما كان وما يكون. كما نجد "فرويد" يرى أن الجانب النفسي الشعوري مقيد بالرغبات المكبوتة والمخفية في مجال اللاشعور والتي تؤثر في تشكيل الحياة النفسية الشعورية دون إرادة من الفرد، وأما على مستوى الوجود الاجتماعي للفرد فنجد "إميل دوركايم" يرى أن الفرد يخضع للقهر الاجتماعي الذي يجبره على الالتزام بقيم المجتمع وتقاليده وأي مخالفة منه تكلفه الجزاء الاجتماعي المتمثل في النبذ الأخلاقي وعلى هذا فليس هناك إرادة فردية مستقلة بل هي مجرد صورة طبق الأصل للإرادة الجماعية لهذا يقول:{ وعلى هذا فلا مجال للحرية الفردية لأنها مقيدة بإرادة الجماعة حتى وإن كان الفرد لا يشعر بهذا لأنه يتلقى تلك القيم على شكل تربية أخلاقية فيعتقد أنه حر في الاعتقاد بها بينما في الحقيقة فرضت عليه}، لهذا يشبه "دوركايم" القهر الاجتماعي بالهواء الذي نستنشقه فنحن لا نشعر بوزنه ولكنه هو الذي يمنحنا الحياة وبالإضافة على كل ما سبق فهناك من الفيزيائيين من يعتبر الإنسان جزء من العالم الفيزيائي لتصبح عندها سلوكاته ظواهر فيزيائية تخضع لقانون الحتمية حيث نفس الشروط تؤدي حتما إلى نفس النتائج ومنه ففي كل الآراء السالفة نجد نفي للحرية وإثبات للحتمية.

- المناقشة والنقد: استطاع أنصار نقيض الأطروحة إثبات أن الإنسان مسير و ليس حرا ومعنى ذلك أن السلوك الإنساني يسير في دائرة الحتمية فهو يفتقد إلى عنصر الإرادة وقدرة الاختيار والسبب في ذلك أن وجود الحتمية يلغي بالضرورة وجود الحرية ، ولكن، القول بالحتمية لا يعني تكبيل الإنسان ورفع مسؤولياته، كما لم يفرق الحتميون بين عالم الأشياء الآلي وعالم الإنسان الذي كله وعي وعقل.

3/- التركيب: 

كتوفيق بين الطرحين يمكن التأكيد أن النظرة الواقعية للحرية تقتضي تبني موقفا وسطا وهو ما أكده ابن رشد حيث أن الإنسان ليس حرا حرية مطلقة بل حريته محدودة فكل فرد يستطيع البحث عن حظه وفرحه بالطريقة التي يريد وكما يبدو له هو نفسه الطريق السليم. شرط أن لا ينسى حرية الآخرين وحقهم في الشيء ذاته.

III/- حل المشكلة: 

التفكير المنطقي يدفعنا إلى القول بأن الإنسان ليس حرا حرية مطلقة بل محدودة لأنه يخضع لعدة حتميات، كما أنه ليس مجبرا فله الاختيار النسبي في أفعاله، والحرية عمل وممارسة؛ بمعنى أن الإنسان يعيش الحرية من خلال تجاوز الحتميات المختلفة، ومنه نستنتج أن قضية الحرية مسألة فلسفية عميقة وشائكة لا يمكن تحديد إجابة نهائية حول إثباتها أو نفيها ومن هنا فالحرية والحتمية وإن كان ضدان فقد يصدقان معا ويوجدان معا وهو ما أثبته الطرح الوضعي وتبقى مشكلة الحرية ذ و علاقة مباشرة بالجانب الأخلاقي والاجتماعي وهنا بالذات تكمن أهميتها فلسفيا.

رسالة التنبيه: في حالة وجود رابط لا يعمل يرجى تنبيهنا في التعليقات.

رابط التحميل وورد  : 

تحميل