يمكنك
قراءة الموضوع مباشرة أو تحميله من الرابط أسفله
|
قيل
" الالفاظ قبور المعاني " حلل و ناقش
|
/-المقدمة(طرح المشكلة):
تعرف
اللغة على أنها نسق رمزي متمثل في جملة الإشارات و الرموز التي وجدت من اجل
التواصل . بينما الفكر فيقصد به ذلك
النشاط الذهني الذي يتم بموجب فعالية عقلية. إن الدراسة النقدية لكل من الحدين
تقودنا إلى محاولة طرح العلاقة القائمة بينهما و هذا ما شكل محور نقاش الكثير من
الدارسين حيث نجد رواد المدرسة الأحادية امنوا بفكرة الاتصال انطلاقا من تسليمهم
أن محاولة التفكير من دون لغة هي محاولة عديمة المعنى . في حين نجد أنصار المدرسة الثنائية أكدوا على فكرة الانفصال انطلاقا من إيمانهم
بأسبقية الفكر عن اللغة , ومن ذلك هل من صواب بين النقيضين ؟ و هل الألفاظ قبور
المعاني ؟ أم حصون لها ؟ بل هل العلاقة التي تربط بين الفكر و اللغة هي علاقة
اتصال أم انفصال ؟
/-التوسيع(محاولة حل المشكلة):
القضية:
(الألفاظ قبور المعاني ).
تحليلها: يذهب أنصار المدرسة الثنائية
للتأكيد على مسلمة أساسية مضمونها أن الفكر و اللغة منفصلان, أي أن مجال الفكر
أوسع من مجال اللغة انطلاقا من أسبقية الفكرة عن اللفظ في الوجود. كما أن غياب
الألفاظ لا ينفي وجود الأفكار.
البرهنة : و من أنصار هذا الطرح نجد :
1
- أكد
أفلاطون أن اللغة ليست إلا أداة للتعبير عن فكر سابق عنها , حيث أن
الإنسان وجد أولا في عالم المثل " عالم المعقولات " فامتلك كل المعاني
, لكن لما هبطت الروح إلى عالم الحس و حلت بالجسم عند الولادة فإنها قد نسيت كل التصورات
و امتلكت اللغة , لذا فإن اللغة مادية و الفكر معنوي و المعنوي أوسع من المادي ,
بل إن الفكر يمتلك أسبقية في الوجود عن اللغة ( أسبقية أنطولوجية ) نفس الرؤية أشار
إليها تلميذه أفلوطين في قوله أعتقد أننا
نمتلك أفكارا أكثر مما نمتلك أصواتا "
2 – أكد المفكر الفرنسي هنري برغسون أن اللغة
عاجزة على مسايرة ديمومة الفكر " فالفكر هو الوعي و الوعي يتميز بالديمومة
و الاتصال بينما الكلمات منفصلة و متمايزة , حيث يوجد فراغ بين كل كلمة و الكلمة
التي تليها , و من ذلك فإن الكلام يحطم
الفكر ( الكلمة مومياء ) كما توجد جوانب من الفكر لا يمكن أن تستوعبها اللغة و
تعبر عنها تعبيرا كافيا خاصة إذا ما تعلق الأمر بالجانب الوجداني ( أنا سعيد لا
تعبر عن لون السعادة الحقيقية ) و في ذلك يقول فاليري " إن أجمل الأفكار
هي تلك التي نعجز عن التعبير عنها "
3 – أكد شوبنهاور أن الأفكار تموت لحظة تجسدها في
الكلمات ، فالفكر يتسم بالنمو و التطور بينما اللغة بقيت عاجزة على المسايرة , و الدليل يتجلى في عدم القدرة على إيجاد
مسميات للاكتشافات العلمية الجديدة , و الواقع يثبت الاكتفاء بربط النظرية باسم
المخترع كان نقول "نسبية أنشطاين
, هندسة إقليدس ... " زيادة على ذلك فإن اللغة هي مقاطع جامدة منفصلة
لا ترقى إلى مكانة الفكر المعنوية و هو ما يتجلى من خلال عدم الانسجام بين
القدرة على الفهم و القدرة على التبليغ.
4 – أكد ديكارت
: " ألفاظ اللغة الجارية تكاد تخدعني " فالتعبير مهما كان ملما بأدواته
يبقى ناقصا و لا يتمكن من الإلمام بجميع المعاني التصورات , بل أحيانا يخون المعنى و يكون سببا في سوء
الفهم .
إذن اللغة و الفكر منفصلان .
النقد: على
الرغم من أهمية طرح أنصار المدرسة الثنائية إلا أنه لا يمكن التصديق بما ذهبوا إليه
لأنه لا يمكن التفكير في غياب قالب لغوي كما لا يمكن التفكير في لا شيء . بل إن
الفكر في حاجة إلى إشارات و رموز حتى يصير موجودا , و من ذلك فإن اللغة ليست
عائقا أمام الفكر بل هي وسيلة لشرحه من أجل التواصل .
نقيض القضية: ( الألفاظ حصون المعاني -
اللغة و الفكر متصلان )
شرح و تحليل: ترى المدرسة الأحادية أن الفكر و اللغة متصلان , أي أن الألفاظ هي حصون
المعاني , كما أن غياب الألفاظ ينفي وجود الأفكار , كما أن الفكر في حاجة إلى
لغة حتى يصير معلوما و بذلك فإن اللغة هي الوسيلة الوحيدة القادرة على شرح
المعاني التي يمتلكها الإنسان.
البرهنة : و من أنصار هذا الطرح نجد :
1 – أكد أحمد معتوق " عندما نفكر فنحن
نتكلم بصوت منخفض و عندما نتحدث فنحن نفكر بصوت عال " نفس الطرح نجده عند جوليا كريستيفا حيث تقول " بدون اللغة لا تدرك المعاني
ولا تعرف " و من ذلك فإن اللغة هي جسم الفكر . و هذا ما أكده ميرلوبونتي من خلال قوله " الفكرة تؤخذ من العبارة
و العبارة ما هي إلا الوجود الخارجي للفكرة ." و يقول أيضا " إن الفكر
لا يوجد خارج الكلمة " و هذا يعني أن العلاقة بين الفكر اللغة هي علاقة مثير
و استجابة فاللفظ يصنع المثير و الفكر يصنع الاستجابة في شكل صورة , كما يحدث
العكس في حالات أخرى .
2 – أكد جون بياجي أن اللغة تساعد على نمو الفكر فالطفل
يكتسبها في الوقت الذي يتعلم فيه التفكير , و النمو اللغوي مرتبط بالنمو العقلي
و أي خلل على مستوى الفكر يعد كذلك عائقا على مستوى عملية النطق . و في ذلك يقول
واطسون " إن التفكير ما هو إلا كلام يختفي وراء
الصوت "
3 – فريدريك هيجل في كتابه أصول فلسفة الحق أكد أنه إذا كان العمل هو الوسيط بين الإنسان
و الطبيعة فإن اللغة هي الوسيط بين الفكر الوجود , و هذا يعني أن محاولة التفكير
من دون لغة هي محاولة عديمة المعنى , و محاولة التعامل مع الأشياء أرغمت الإنسان
على اصطناع لغة تساعده على التوافق .
4 – أكد لويس لافيل أن اللغة هي ذاكرة إنسانية , فلولاها لما
تمكنا من فهم حقيقة الحضارات السابقة و تاريخ الإنسانية . و في ذلك يقول "ليست اللغة كما يعتقد
البعض ثوب الفكر بل هي جسمه الحقيقي " أو هي دالة الفكر على حد تعبير دولاكروا . أي أنها
وحدها قادرة على نقل الأفكار و تحقيق التواصل الإجتماعي .
5 – أكد ماكس مولر عل التكامل بين اللغة و الفكر من خلال قوله
" ليس ما ندعوه فكرا إلا وجها من
وجهي قطعة نقد , فالوجه الأول هو الفكر و الوجه الآخر هو الصوت المسموع " .
كل هذه الأفكار وجدت أولا عند اريسطو حيث
يقول " ليس ثمة تفكير دون رموز لغوية " بل أن المعنى الاشتقاقي لكل من
اللغة و الفكر في القاموس اليوناني هو واحد .
إذن اللغة و الفكر متصلان .
النقد: على الرغم من أهمية طرح أنصار المدرسة الأحادية إلا
أنه لا يمكن التصديق بما ذهبوا إليه لأنه إذا كانا حقا وجهان لعملة واحدة ولا يمكن الفصل بينهما
فلماذا لم يطلق عليهما إسم واحد يجمع بينهما ؟ و لماذا نسمي هذا فكر و ذاك لغة ؟ بل إن مجال
الفكر أوسع من مجال اللغة انطلاقا من وجود أسبقية انطولوجية للفكر عن اللغة و إننا
نعجز في التعبير عن أجمل الأفكار .
التركيب : من خلال ما تقدم يتبين لنا أنه لا يمكن أن تكون اللغة و الفكر منفصلان
بصفة مطلقة كما اعتقد أنصار المدرسة الثنائية كما لا يمكن أن نصدق بفكرة الاتصال المطلق بينهما كما اعتقد أنصار
المدرسة الأحادية , بل الحقيقة تكمن في أن العلاقة بين اللغة و الفكر تدرك من
الناحية النظرية على أنها علاقة انفصال بينما من الناحية العملية تدرك كبنية
واحدة تتجلى في التأثير و التأثر . لذا ينبغي تطوير اللغة حتى تصير قادرة على إيصال
المعنى الحقيقي الذي يؤسسه العقل .
الخاتمة : ختام القول و انطلاقا مما سبق ذكره يتبين لنا أن الألفاظ ليست دوما
قبورا للمعاني بل إن العلاقة بين اللغة
و الفكر تكاملية أي أن الأفكار التي نظنها منفصلة عن اللغة ما هي إلا أفكار
تكونت , عبرنا عنها و نعيدها على أنفسنا في صمت يجعلنا نعتقد أن الأفكار متميزة
عن اللغة التي نعبر بها على هذه الأفكار . لذا فإنه لا مجال للفصل بين الفكر و
اللغة حتى و إن كانت في بعض الحالات تلك الألفاظ التي نمتلكها عاجزة على إيصال
المعنى الدقيق حتى عن المواقف التي
عشناها .
|