القائمة الرئيسية

الصفحات

مقالة فلسفية العادة و الإرادة





يمكنك قراءة الموضوع مباشرة أو تحميله من الرابط أسفله


الإشكالية الأولى : إدراك العالم الخارجي
المشكلـة الخامسة : العــادة و الإرادة

مقدمة: طرح المشكلة
        إن تتبع  أنشطة الحياة الإنسانية، وملاحظتها تبرز أنها تقوم بأفعال  واستجابات سلوكية غاية في التعقيد تتسم بالتعدد والتنوع في طبيعتها، وفي دوافعها وأهدافها، ومن الصعب فهم هذه الظواهر السلوكية وكشف عناصرها وهي مجتمعة، لهذا عملت أبحاث علم النفس الحديث والمعاصر على تقسيمها وتمييز بعضها عن بعض بغرض فهمها.
فهناك أفعال فطرية غريزية، وأفعال العادة، وأفعال الإرادة... ومن خلال كل هذه الأفعال السلوكية كيف يمكننا أن نفرق بين الأفعال الغريزية والأفعال المكتسبة؟ وكيف نفهم آلية العادة وطبيعة الإرادة وأثرهما على سلوك الإنسان؟ وهل يمكن أن تتفق العادة مع الإرادة؟
I. كيف نفهم العادة كأداة للتكيف برغم آليتها؟
      1 ـ كيف نميز بين فعل العادة والغريزة؟
        إن الإنسان والحيوان يأتيان بكثير من أنماط السلوك، بعض أنواع هذا السلوك يشتركان فيه، وهناك بعض الأفعال التي يختص بها الإنسان وحده، فإذا لاحظنا مثلا كيف تبني الطيور أعشاشها؟ وهجرة الأسماك من قارة إلى أخرى، ونقر صغار الأفراخ للحبوب، والصراخ والبكاء عند الأطفال الصغار من أجل الطعام وكذا الامتصاص والرضاعة لديهم، هذا من ناحية، وإذا لاحظنا من ناحية أخرى: مواعيد الاستيقاظ عند الإنسان، وطريقة الاغتسال، ونوع الرياضة التي يمارسها، طريقة الكتابة...
لاشك أننا إذا واجهنا أي واحد منا، بالمجموعة الأولى من الأمثلة، سوف يقر ويكتشف مباشرة أنها «أفعال فطرية غريزية ».أما أمثلة المجموعة الثانية: فبرغم استقرارها ورسوخها فينا وتأثيرها علينا فهي تختلف عن الأفعال الفطرية لأنها «أفعال مكتسبة» تصدر إلى حد كبير عن تلك القوة التي يطلق عليها اسم «العادة»، لهذا من الضروري التمييز بين الأفعال الغريزية وأفعال العادة:
    أ ـ الأفعال الغريزية: قوى حيوية في الكائن الحي موجودة كاستعداد أولي  يستهدف تحقيق غاية معينة، تتمثل في المحافظة على حياة الكائن الحي وحفظ نوعه  وتتميز هذه الأفعال الغريزية بأنها:
           ـ لها شكل واحد ثابت متماثل لدى جميع أفراد النوع.
           ـ أنها أفعال آلية لا تتغير ولا تتبدل عبر الزمان، أي دائمة.
           ـ أنها أفعال فطرية تولد جاهزة مع الكائن، وغير متعلمة من البيئة لأنها وراثية.
     ومن هنا اعتبر فرويد الأفعال الغريزية محركات أولية للسلوك،لا يمكن تحليلها إلى أبسط منها لأنها طبيعة أولى.
 ب ـ أفعال العادة: هي مجموعة من القدرات والمهارات المتنوعة التي تبرز في أنها أداء منظم وآلي للأمور، وتتميز هذه الأفعال بأنها:
  ـ أفعال مكتسبة بالتعلم من البيئة التي يعايشها الإنسان، كطرق التفكير، والعمل.
  ـ أفعال تستقر وتثبت وترسخ في سلوكنا بالتكرار الذي تمارسه الذات قصد    الاكتساب للعادات الجديدة، كميل من الذات من أجل التحصيل والتعلم، فالعمل إذا تكرر مع وجود الميل أصبح عادة، وكلما كان الميل أقوى كان اكتساب العادة أسرع وأكثر رسوخا وثباتا لهذا قيل: (العادة وليدة التكرار).
  ـ  أفعال آلية نقوم بها بصورة أوتوماتيكية كنماذج للاستجابة محددة الأشكال والحركات، وكأنه لا وجود فيها للتفكير والانتباه والإرادة، وهذا ما جعل من العادة تشابه أفعال الغريزة في بعض جوانبها، مما دفع أرسطو إلى القول أن العادة طبيعة ثانية. لأن كلاهما سلوك يتميز بالثبات والصلابة والآلية مما يجعل العادة لا تحل محل الغريزة، ولكنها تنوب عنها وتقدم للذات ما لا تقدمه الغريزة.
وعلى ضوء هذه المميزات يتحدد مفهوم العادة:حيث عرفها العلماء المحدثون على أنها:( قدرة مكتسبة على أداء عمل بطريقة آلية مع السرعة والدقة والاقتصاد في الجهد ). أو هي: ( ظاهرة حيوية خاصة،غير مصحوبة بالوعي، تتميز بتكرار الأفعال الناشئة عن الأسباب الخارجية تلقائيا).
2 ـ العادة نتاج التعلم والاكتساب:
لما كانت العادة ليست سوى تغير ثابت في السلوك ناتج عن الخبرة والممارسة والتدريب، فإن هذا يضعنا أمام أهم عوامل اكتساب العادات:
أ ـ عوامل اكتساب العادة:
    ـ عامل التكرار: لأنه من الصعب أن يكتسب الإنسان قدرة أو مهارة من المهارات دون أن يكون للتكرار فيها نصيب، فالتجربة تكشف أن اكتساب العادة يقتضي التكرار بطريقة إرادية أو تلقائية، ولذلك يعتبر أرسطو أن ( العادة بنت التكرار).
   ـ العامل العقلي: العادة لا تكون إلا إذا كان العقل حاضرا، ووظائفه العليا من  (إدراك وذكاء وتذكر وتخيل) ناضجة ومتوقدة، فالمتعلم إذا لم يكن له إدراك لما يتعلم فلن يتعلم أبدا، والتلميذ إذا لم تكن لديه إحاطة بما يدرس فلن ينجح أبدا.
   ـ العامل النفسي: إن أقوى عامل يساعد على التعلم واكتساب العادة الانتباه والاهتمام ، فالاهتمام بالعمل أقوى عوامل الانتباه،كما أن الجهد المبذول برغبة وشوق، يسهل اكتساب العادات، وكلما كان ذلك أقوى، كان الاكتساب أرسخ  وبدون العاطفة والميل النفسي يتعذر التعلم.
   ـ العامل الاجتماعي: إن كثيرا من عاداتنا نكتسبها بواسطة المجتمع، فنحن نكتسب منه اللغة ونتعود على ذلك، ونكتسب منه العرف والتقاليد وبعض القيم فتصبح عادة راسخة في حياتنا وفي أذهاننا، والمجتمع يدفعنا إلى القيام ببعض الأفعال على نمط واحد كعاداتنا المهنية التي تجعلنا خاضعين في أكثر الأوقات لانضباط محدد.
ب ـ أنواع العادة:
       ـ العادات الحركية: وهي استعداد مكتسب لأداء بعض الحركات والقيام ببعض الأفعال، مثل الكتابة باليد، قياد السيارة، طرق تناول الطعام.
       ـ العادات النفسية: وهي استعداد مكتسب يبعث على الإحساس أو التفكير أو الفعل على الصورة التي يحس أو يفكر أو يعمل بها الشخص من قبل، كعادة التفكير التي تساعد على الترتيب والتناسق في الأفكار والتعمق فيها وسرعة توجيهها، أو كعادة الصبر وضبط النفس وكظم الغيظ.
       ـ العادات الاجتماعية: وتتمثل في مجموع ما يبرز في الوسط الاجتماعي من عادات وتقاليد، تتفق عليها الجماعة، وتصير نموذجا للانسجام وحفظ النظام فيما بينهم مثل: طرق الاحتفال، طرق الحزن، أنواع الملابس، المأكولات...
3 ـ العادة كأداة في خدمة التكيف:  
    إن العادة كاستجابة آلية للظروف التي تتطلبها المواقف الحياتية المتعددة سواء تعلق الأمر بصنوف التفكير أو طرق التصرف أو التعبير عن النماذج الخلقية، كلها تبرز الدور الحيوي الذي تلعبه العادات في تحقيق التكيف والتوافق بين الفرد وبيئته الطبيعية والاجتماعية، فبالعادة يكون المرء مستعدا لمواجهة المواقف، والتعامل معها بمهارة وفعالية.
  فالعادة تحرر الانتباه والإرادة، وتخفف من ضغط التفكير، وعمل الإدراك، نتيجة الترابط الآلي في أفعالها.
 كما تكسبنا إتقان الأعمال والإبداع فيها، لأن التمرس على الشيء وخبر عناصره يمكن الذات من انجازه بأفضل الطرق، وأمهر الأساليب.
 كما أن العادة تؤدي إلى الاقتصاد في الجهد والوقت والثقة في النفس والابتعاد عن التردد وهذا يساعد الذات على إبراز مواهبها وإمكاناتها.
 كما أن للعادات اتصالا وثيقا بالأخلاق واكتساب الفضائل أو الرذائل، فصفة الأمانة مثلا: من وطن نفسه على سلوك الأمانة، واعتاد عليه، لا يقف مترددا في أحكامه، ولا ينفق جهدا أو عناء في اصطناع سلوكها، أما غيره الذي لم تغرس فيه صفة الأمانة فكثيرا ما تغريه الخيانة... ويستلزم الأمر عندهم جهدا كبيرا من قوة الإرادة وأحكام الإدراك، لالتزام الأمانة، ولهذا يقول جون ديوي: (كل العادات تدفع إلى القيام بأنواع معينة من النشاط، وهي تكون النفس، وهي تحكم قيادة أفكارنا فتحدد ما يظهر منها وما يقوى، وما ينبغي له أن يذهب من النور إلى الظلام).
غير أننا نشير إلى أن العادات إن لم يصحبها الوعي والانتباه ويراجع مسارها من حين إلى آخر فإنها تتحول بمرور الزمن إلى قدرة مستبدة تحكم سيطرتها على الذات ويصبح من الصعب الإفلات منها، ومن وحي هذا القبيل يقول برودوم: « إن جميع الذين تستولي عليهم قوة العادة يصبحون بوجوههم بشرا وبحركات آلات » لأنها تطبع الفكر برتابة وتحجر قاتل، وتمسك السلوك بروتين ممل وتقف عقبة أمام التغير والأفكار الجديدة، وتشجع على التقليد والتعصب للرأي وهذا ما يعيق إرادة الإنسان ويحد من فعاليته. وعليه يمكن أن نستنتج أن للعادة آثارا سلبية،وأخرى إيجابية، ولكن مهما قيل عن آثارها السلبية فإنها مع ذلك تبقى بلا منازع، أداة حيوية للتكيف، شريطة الانتباه للعادات السيئة وتقويمها بتدخل الإرادة، وإحلال عادات حسنة مكانها، لأن العادة ليست سلوكا آليا خالصا، بل تبقى تحت مراقبة الوعي والإرادة.
لكن ماذا نقصد بالفعل الإرادي؟ وما هي طبيعته؟
II. طبيعة الفعل الإرادي والخصوصية الإنسانية:
 1 ـ مفهوم الإرادة: الإرادة هي: « قدرة الذات ونزوعها إلى الفعل،مع وعي الأسباب الصادرة عنها،والعزم على الفعل أو الكف عنه ».
وما يمكن أن يفهم من هذا أن الفعل الإرادي فعل يصاحبه الوعي، وتبرز فيه قدرة الذات على التمييز والاختيار بين الأفعال بالتنفيذ أو الترك.
2 ـ شروط الفعل الإرادي:وهي المحددات التي يبنى عليها الفعل الإرادي، وتعبر عن أسس وجوده وهي:
ـ تصور المثل الأعلى: إن تصور المثل الأعلى ضروري لكل إنسان،وهو يختلف باختلاف الأشخاص، ويتبدل بظروفهم المادية والنفسية والاجتماعية.
ـ الإيمان بالنفس: إن الحياة مبنية على الإيمان،وإذا لم يؤمن الإنسان بنفسه يخسر معركة الحياة.
ـ تنظيم الأفكار: إن الناس يتفاوتون في قوة الإرادة كما يتفاوتون في قوة العقل، فالإرادة الصحيحة تعتمد على قوة الأفكار وتنظيمها، وسيطرة النفس على العواطف والرغبات، إن أعظم الرجال هم الذين لهم القدرة على السيطرة على عواطفهم وأهوائهم وإدارة أنفسهم بأنفسهم.
3 ـ صفات الفعل الإرادي:
 ـ الفعل الإرادي قرار شخصي: حيث يتبدل بتبدل الأفراد،إذ يتحمل الفرد تبعة قيامه به، وبذلك يكشف عن جانب من خصال الشخص وأخلاقه، إنه مخالف للفعل الاعتيادي، لأن العادة تقوم على التكرار، ومخالف للغريزة لأنها عمياء.
ـ الفعل الإرادي فعل واع تأملي: إن الشخص الذي يريد شيئا يدرك ما يفعل، وبالتالي يشعر بفعله ويعيه، ويدرك تماما الغاية من فعله لأنه فعل معقول، فالمرء قد يرغب في أشياء قد يكون من المستحيل تحقيقها، ولكنه لا يفعل إذا لم يرد عقله ذلك.
ـ الفعل الإرادي فعل جديد: وتتصف جدته في أنه يمنع الشخص من الاندفاع الآلي إلى الفعل، فيحول الغريزة أو العادة إلى فعل واع فيه قصد، وينظم الحركات والأفعال والتصورات تنظيما يتوافق والظروف الطارئة.
4 ـ مراحل الفعل الإرادي:  يقسم الفعل الإرادي إلى أربعة مراحل:
   ـ تصور الهدف: لابد للشخص من تصور الفعل والهدف منه، فالطالب لا يقرر الفعل إلا بعد أن يتصور الهدف من الدراسة وهو النجاح في الامتحان.
   ـ المداولة(المناقشة): من الضروري للشخص قبل أن يقرر القيام بالفعل أن يناقشه، وهذه المناقشة تأخذ شكل الأخذ والرد، أي الحكم بأنه ينبغي أن يفعل أو لا يفعل.
  ـ القرار: عندما يناقش المرء حالات متعارضة في الغالب، فإنه يخلص في النهاية إلى اتخاذ موقف أو قرار ينهي المناقشة.
  ـ التنفيذ: لا يمكن اعتبار القرار فعلا تاما، إلا إذا كان مصحوبا بشيء من التنفيذ، فلا يعتبر الفعل منجزا إذا بقي عبارة عن نية، بل لا يعتبر كذلك إلا متى احتاج قرار الفعل إلى تنفيذ، والتنفيذ لا يكون إلا بفعله تماما.
5ـ الفعل الإرادي والتكيف:
أ ـ الإرادة كفعل إيجابي في التكيف:  إن قيمة الفعل الإرادي وفاعليتها تتجلى في أنه فعل يعبر عن صميم ذاتنا وكامل شخصيتنا واختيارنا وقراراتنا الواعية.
كما أن الفعل الإرادي ليس فعلا اندفاعيا ولا تلقائيا بل هو فعل قصدي تحدده الأسباب والمبررات العقلية، المبنية على التفكير والمناقشات المختلفة لأوجه الفعل لإثبات صحة ما يمكن أن نقدم على تنفيذه، أو العزوف عنه، وفق قواعد وضوابط تحدد الصواب، وهذا ما يجعل من الفعل الإرادي أرقى أنواع التكيف، ومن أهم الأسس في تحقيق التوافق والانسجام بين الفرد وبيئته.
  وفوق هذا الفعل الإرادي، قدرة على العمل وعزم على التنفيذ وحكمة في مواجهة مختلف المواقف، ومعالجتها بطرق جديدة وفعالة ومنسجمة مع الواقع، وهذا ما يعطي للفعل الإرادي اعتبارا وقيمة عملية تجعله أنموذج التكيف الإيجابي.
لكن هذا الوجه الإيجابي للإرادة لا يخفي بعض الجوانب السلبية لها:
ب ـ الإرادة كانفعال يعيق التكيف:   إن الإرادة فاعلية حرة، أساسها العقل وقدرة التمييز والاختيار، نجدها تتعايش في محيط تتنازعه الانفعالات واندفاعاتها، والأهواء والميول وأمنياتها، والرغبات وأحلامها، فإذا تضاربت كل هذه الجوانب، واستبدت بصاحبها نحو توجهات جامحة، تغيب الإرادة، ولا يصبح أي مبرر لوجودها. ويظهر ذلك بوضوح عند ضعفاء النفوس والمنحرفين... الذين تهيمن عليهم الرغبات وتسيطر عليهم الاشباعات والميول المضادة للإرادة والمثبطة لعملها وتأثيرها، أو حكم على الذات وعلى توجيهها إلى الصواب أو ردعها عن رغباتها وميولها. وهذا ما يقضي ويعيق دور الإرادة في تحقيق التكيف، على اعتبار أنها قرار حاسم وقوي يقطع التنازع والرغبات الحالمة.
وبناء على هذا فالإرادة لكي تحقق التكيف الإيجابي عليها أن لا تخضع لمنطق الانفعالات والأهواء، برغم معايشتها لها كجانب من جوانب الذات، وأن تتمرس وتتعود على كبحها وترويضها لتنسجم مع الإرادة وأحكامها، وبهذا تتجاوز مأزق التكيف.
III. كيف نفهم العلاقة بين العادة والإرادة؟
قد أدركنا في بداية تعاملنا مع هذه المشكلة أن العادة فعل آلي أساسه التكرار وتعرفنا بعد ذلك على أن الفعل الإرادي فعل قصدي واع يتميز بالجدة والمرونة، فهل معنى هذا أن الإرادة لا تتفق مع العادة وأنهما متعارضان ولا علاقة بينهما؟
إن الحقيقة التي يجب التأكيد عليها هي أن العادة والإرادة وبرغم الاختلاف والتمايز بينهما، فإن كليهما أداة لتحقيق التكيف والتوافق بين الإنسان وبيئته، مما يدفع للبحث عن إمكانية قيام علاقة تأثير وتأثر بينهما من حيث:
1ـ أثر الإرادة في تكوين العادات:
 إن احتياج العادة إلى الإرادة في تكوينها واكتسابها شديد الأهمية والأثر، ذلك أن عملية اكتساب العادات وتحصيلها تحتاج إلى التعلم أولا، وهذا التعلم لا يتم ولا يبرز أثره إلا بالإدراك والانتباه والإرادة والاهتمام، مما يجعل من الإرادة هي (حارسة) العادات، لأن الإنسان عند تكراره للأفعال قصد ترسيخها، يصحح الأخطاء ويحذف ما هو غير صالح ولا نافع، وهذا لا يكون إلا بفعل الإرادة وتوجيهها، كما أن آلية العادة ليست آلية خالصة، وإنما تحمل بعض المرونة من حيث التغيير في التكيف والانتخاب لما هو صالح من الماضي للحفاظ عليه، كاستعدادات في الإجابة عن المواقف والاستغناء عن كثير من الحركات والتحرر منها، وهذا لا يكون إلا تحت تأثير العقل وقرار الإرادة. مما يعني أن اكتساب العادات ملازم للإرادة ومقاصدها، سواء في ترسيخ عادات جديدة أو تغيير أوضاع قديمة.
2ـ أثر العادة في الفعل الإرادي:
 إن الإرادة في جوهرها وعي وقرار، وهذه الخصائص لا تولد جاهزة مع الإنسان، بل هي تنمو وتنضج وتتطور بمرحلية عن طريق التدرب والممارسة والتكرار والاعتياد على المواقف، لإنضاج وبناء إرادة قوية وعزم لا يقهر، وهكذا نفهم أنه لا يوجد إنسان ولد بإرادة قوية وآخر بإرادة ضعيفة كما يشاع، لأن نموذج الإرادة يكتسب بالتعود، والتمرس على العزم والتكرار، لترويض الإرادة على القرارات الصائبة، والتنفيذ الناجح، ويظهر هذا المعنى بوضوح، في عمل المجتمع وما يدربنا ويعودنا عليه من تربية وقيم وأخلاق، وعادات وقوانين، لتحدد ضوابط التوافق الاجتماعي السليم، وتهيئ إرادة قوية لأفرادها لمواجهة مصائب الحياة وظروف العالم الخارجي.
وهذا يعني أن العادات الحسنة تخدم الفعل الإرادي، وتعزز مكانته، وأثره في الذات وفي مواجهة المواقف، وأن العادات السيئة، تفسد أحكام الإرادة، وتضعفها وتفقدها قيمتها.
خاتمة: حل المشكلة
      الاختلاف الظاهر بين العادة والإرادة، لا يعبر عن حقيقتهما الفعلية، لأنهما في الواقع وظيفتان نفسيتان متصلتان، يرتبطان في تعاون وظيفي يهدف إلى التكيف مع العالم الخارجي، ومواجهة المواقف التي تعترض الإنسان.